كتاب الجنس الآخر والحركة النسوية

Zohoor Alreef

عضو جديد
23 نوفمبر 2018
182
1
0
33
كتاب الجنس الآخر

3024-cached.jpg

الحركة النسوية
وردَ في الميثولوجيا القديمة: “كان العالم أمُوميًّا حيث كانت الآلهة إناثًا، ثمّ انقلبت الموازين لصالح الرجل، واكتسب على إثر معارك عديدة أفضليّةً ومركزيّةً، وخلق هذا التمركز حول الذات الذكوريّة، وصارت المرأة بمكانة دونيّة عن الرجل” ، ونتيجة لهذا التمركز حول الذكورة والنظرة الدونية للمرأة ظهرت الحركات النسويّة التي عُرفت بأنّها مجموعة من النظريّات الاجتماعية والسياسية والأخلاقيّة التي تحركها قضايا المرأة الاجتماعيّة والسياسية والاقتصادية بغرض القضاء على أشكال القهر المتّصل بالنوعِ الاجتماعيّ، ولتتمكّنَ النساء من النمو والمشاركة في المجتمع بأمان و حرية جنبًا إلى جنبٍ مع الرجل. وقد برزت في الحركات النسوية العديد من النساء المناضلات من أجل المرأة، ومن أبرزهن “سيمون دي بفوار”، وكتابها “الجنس الآخر” الذين ستتناولهما هذه المقالة.

سيمون دي بوفوار
تعدُّ سيمون دي بفوار من أبرزِ المفكرات والكاتبات الفيلسوفيّات الفرنسيّات، إذْ درست الفلسفة في جامعة “إكول نورمال سوبراير” الخاصة بالذكور في ذلك الوقت، وهناك وفي القسم ذاته تعرّفت إلى جان بول سارتر الذي كان مهتمًا بالفلسفة الوجودية، واستمرّت علاقته به حتى تجاوزت الزمالة، فقد عاشا ضمن علاقة حب حتى عام 1980، وهو العام الذي توفّي فيه سارتر وكان لأفكارها النسوية دور كبير في استمرار علاقتها بسارتر بهذا الشكل دون زواج، وقد عملت سيمون دي بفوار في عدد من المدارس حيث درّست فيها الفلسفة لمدّة اثني عشر عامًا من عام 1931-1943، ولكنّها في عام 1941 جلستْ على كرسي الفلسفة في جامعة السوربون كأستاذة جامعية واستمرّ لعامين لاحقيين، حيث عملت خلال هذه الفترة على كتابة روايتها الأولى “المدعوة”، ونشرتها عام 1943.
هذه الأعوام هي التي صقلت شخصيتها كفيلسوفة ومفكرة، وخاصة في المجال النسوي، وفي عام 1981 كتبت “مباركة الانفصال عن سارتر” وبه وصفت السنوات الأخيرة لسارتر قبل وفاته، وتعدُّ دي بوفوار أمًّا للحركةِ النسويّة ما قبل عام 1968، وقد بوّأها هذه المنزلة كتابها “الجنس الاخر” الذي نشرته عام 1949، وقد استمرّت “بوفوار” بالنضالِ من أجل النسويّة وقضاياها إلى أن توفّيت عن عمر ال “78” في 14 إبريل 1986، ودفنت بجانب رفيق دربها جول بول سارتر. 3)

كتاب الجنس الآخر
يعدُّ كتاب “الجنس الآخر” كتابًا فلسفيّّا مهمًّا في نشأةِ الحركات النسويّة الغربية، يتضمّن تحليلًا مفصّلًا حول تاريخ اضطهاد المرأة التي عاشت طويلًا في ظلّ السلطة “الأبوية” أو ما يعرف “بالبطرياركية”، ويناقش سؤالين مركزيين: كيف وصل الحال بالمرأة إلى ما هو عليه اليوم بأن تكون “الآخر”، ولماذا لم تتعاون النساء وتعمل جنبًا إلى جنب لمواجهة الواقع الذكوري الذي فرض عليهم، متتبعة الأسباب المانعة لذلك، مُحاوِلةً من خلال هذيْن السؤالين، الوصول بالمرأة إلى الحصول على حرياتها المسلوبة في المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه.
صدر الكتاب لأول مرة بالفرنسيّة عامَ 1949، واعتُبِر العملَ الرئيسَ للفلسفة النسوية، ومحرّكًا لانطلاق الموجة الثانية من النسوية، وقد كتبته “بوفوار” في حوالي 14 شهرًا عندما كان عمرها 38 سنة، ونشرته في مجلّدين، وقد صنّف في الفاتيكان على أنه كتاب تنويري، ووضع على قائمة الكتب المحرمة، حتى ألغيت هذه القائمة عام 1966.
يناقش كتاب “الجنس الآخر” الجدليّة التي أثيرت حول ماهية المرأة والرجل، فالرجل يعتبر جسمه مستقلًّا يتصل مع العالم اتصالًا حرًّا خاضعًا لإرادته، أمّا جسم المرأة فهو حافل بالقيود، فالمرأة بمفهومها هي “أنثى” والرجل “ذكر”. كما يتطرق إلى أسئلة مثل: من الذي سمح للرجل أن يترفّع بأصله الذكوري، ومن الذي حدّد جنس المرأة كجنس دُنيويّ، وهما جنسان من أصل واحد لا تمييز بينهما سوى أعضاء خُصِّصت للذكر وأخرى للأنثى هدفها التكاثر والتناسل، وقد حددت بيولوجيًّا بما لا يمكن تغييره، فلم يظلم المجتمع جنسًا دون آخر؟ ولماذا صنع الرجال تاريخ المرأة، وأمسكوا بمصيرها، ولم يقرّوا بمصلحتها بل أخذوا أهدافهم ومخاوفهم وحاجاتهم.
لقد أوضحَ “الجنس الآخر” أن المعطيات البيولوجية التي حدّدت مفهوم الذكر والأنثى بالأعضاء التناسلية ليست مبرّرًا للنظر إلى المرأة على أنّها “جنس آخر”، والتعامل معها وتقرير مصيرها والحكم عليها بناءً على تلك المعطيات، أو تحديد التمايز بين الجنسين بناء عليها، وقد ناقش “الجنس الآخر” رأيًا لفرويد لتفسير “الآخر”، فهو يرى أن السلوك البشري ينجم عن الرغبة، وأنّ النقص عند المرأة حاصلٌ من حرمانها من العضو الذكوري الذي يعتبر امتيازًا خاصًّا بالذكر، وقد رأت بفوار أن التحليل النفسي لاعتبار المرأة “جنسًا آخر” بناءً على العضو الذكوري تحليلًا غيرَ مقنع.

وفي دراسة الكتاب للأسباب التاريخية للسيطرة على المرأة، يعرض فكرة أن المجتمع الإنسانيّ كان أمَميًّا، ثم تطوّر حتى انقلبت موازين السلطة من المرأة إلى الرجل، فأصبح العالم ذكوريًّا، والمرأة المسيطرة أصبحت امرأة تابعة، وهي جزء من ملكية فردية خاصّة برجل بذاته، وهنا دخلت المرأة مرحلة من الصراع الذاتي الداخلي حول “أنوثتها، ورغبتها في أن تكون “كيانًا مستقلا” غير تابع لأحد إنما لنفسها فقط، ففي طفولتها تُرَبّى لتصبح امرأة، وهنا تدخل مرحلة اكتشاف “الأنثى”، ويتبلور ذلك الشعور في مرحلة المراهقة، عندما تظهر عليها علامات الأنوثة، وتكتشف أسرار جسدها وغموضه، لتصبح امرأة أنثى بكل المقاييس وتُهَيَّأ لتصبح زوجة رجل، تكون تابعة له وخاضعة بجسدها الأنثوي، وفي هذه المرحلة التي تخضع فيه بجسدها الأنثوي للرجل، خضوعًا جنسيًّا، تدخل المرأة مرحلة الصراع الداخلي، وتجد نفسها “جنسًا آخرًا”، يتمتّع فيه الرجل كيفما أراد، وهذا “الآخر” لا وجود له أمام الرجل صاحب الكيان المستقلّ بذاته بعيدًا عن حضور المرأة، والذي يجد في جسد المرأة مَتاعًا يحاول من خلاله إلغاء شخصها كونَها ملكًا مطلقًا للرجل.
وبحسب ما وردَ في كتاب الجنس الآخر فإنّ “الرجل هو الذي يمسك زمام المبادرة في أغلب الأحيان، فيغازلها ويداعبها وتتلقى غزله وعروضه بكلّ استسلام وسلبيّة، فهو الذي يقودها إلى المخدع” وحين تصبح زوجته فإن البيت هو نهايتها، وهنا تنتقل إلى لتصبح ربّة منزل، شغلها الشاغل رعاية البيت وتربية الأبناء، والخضوع خضوعًا اجتماعيًّا وماديًّا تامًّا للرجل، وهذه النظرة من المرأة لذاتها، ومسلكها مع ذاتها بهذا الشكل دون أي محاولة منها لتغيير هذا الوضع أو الخروج عنه إما خوفًا من هجر الرجل لها أو نظرة المجتمع المحتقرة لها والمقللة من شأنها، هو ما يؤكد فرضية أن المرأة ذاتها هي من حوّلت نفسها لـ “جنس آخر” بالنسبة للرجل.
وقد تطرق الكتاب إلى نقاط مهمة منها أن المرأة لا تؤمن بتحريرها، فهي ترى حريتها ضمن نطاق منزلها، وتلك أنموذج للمرأة الراضخة للواقع، والتي تجد في معنى الحرية الفضفاض “انحلالا أخلاقيًّا”، وعلى النقيض تماما فهناك نساء تمردن على عادات المجتمع وقيوده، ويجدن في الحرية منطلقًا لتحقيق رغباتهن وأحلامهن، فالحرية بمعناها الواسع “حرية الفكر والتعبير والحياة”.
أما النقطة الثانية التي ناقشها الكتاب فهي “إذا ما حررنا المرأة فإننا نحرر الرجل ولكنه يخشى ذلك”، فهل يخشى الرجل من حرية المرأة أم من تفوقها عليه؟ وهو الذي كان بطبيعته مسيطرًا على إنسان ضعيف اسمه “امرأة”؟ ويذهب الكتاب إلى أن الرجل أيضا مسلوب الإرادة في مجتمعه بسبب الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التي تمارس عليه صنوف القمع، ولا يشعر بالحرية، لذلك يتجه إلى السيطرة على المرأة الضعيفة، لضعفه أمام السلطة الأعلى منه، وما دام الرجل خاضعًا لسلطة عليا غير قادر على التحرر منها، فبالتالي لن يتحرر، ولن تتحرر المرأة الخاضعة لسلطته، وهذا ما يجعل الرجل يعتبر المرأة هي “الآخر”، غير معترف بأنها كيان منفصل عنه، وهي لا تستطيع الاستغناء عنه، لحاجتها له، وينسى حقيقة أنه أيضًا لا يمكن له الاستغناء عن المرأة فحاجته لها أكثر من حاجتها إليه.
ويناقش كتاب “الجنس الآخر” ظلم المرأة للمرأة من خلال حلقة دائرية تتكرر فيها الظروف نفسها، فالمرأة المضطهدة، أو التي عانت من ظلم مجتمعها الذكوري ومن محاباة الذكر على المرأة في التعليم والحياة السياسية والاجتماعية، تنقل لابنتها الظروف ذاتها والظلم ذاته دون أن تحاول التغيير من واقع ابنتها، ثم تضغط على ابنتها لتزويجها، وإن كان طموح ابنتها يخالف فكرة الزواج. وعندما تتزوج الفتاة، وتكون حياتها الخاصة في بيتها الخاص التابعة فيه للذكر، تعود لتعيد دائرة الظلم ذاتها التي عانتها، وتفضيل الذكر عليها رغم ذكائها، على ابنتها دون مراعاة لرغباتها وتطلّعاتها لحياة حرة، تعيش فيه صنو الرجل.
ويرى الكتاب أنّ تكرار الظلم بدائرة مغلقة ومستمرة، يشعر المرأة بأنها لم تحقق شيئًا لذاتها أمام حياتها الذي قدمتها للآخرين، ولذلك يقدم الكتاب تصورًا لحصول المرأة على حريتها، ويكون ذلك من خلال عمل المرأة وحصولها على استقلالها المادي، الذي يجعلها مكتفية بذاتها، دون حاجتها للآخرين، وبالتالي يتيح لها مجالا أكبر للالتفات لحقوقها الاجتماعية كالطلاق وحضانة الطفل والإجهاض، وحقوقها السياسية كالانتخاب والعمل، أو حتى حقها في أن يكون الرجل في حياتها خيارًا لا شرطًا فتعيش حياتها كاملة دون الاقتران برجل. وهذا التصور الأخير لحقّ المرأة في اختيار عدم الاقتران برجل والزواج منه أو الخضوع له بتاتًا قد يدفع الكثيرات لاختيار الجنس المثيل بدلًا من الرجل، فتمارس السّحاق.