البرنامج النووى المصرى

ENG MUHAMED

[ADMIN]
طاقم الإدارة
25 فبراير 2008
10,079
43
48
support-ar.net
البرنامج النووي المصري .. القصة الكاملة

485027551sq0.jpg



ما هي حقيقة البرنامج النووي المصري؟ وكيف بدأ ؟ وماهي مراحل التطور التاريخي التي مر بها وقدراته، وتقويمه، ولماذا تراجع هذا البرنامج؟
تعال معنا لتعرف الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها الكثير و الكثير عبر هذه التغطية الشاملة .




القدرات النووية المصرية

تتركز قدرات البرنامج النووي المصري في إنشاء المراكز البحثية، والمفاعلات البحثية، وتأهيل الكوادر البشرية، والتعاون الإقليمي والدولي كما يلي:

أولا - المراكز البحثية النووية:

أقامت مصر عديداً من المراكز، من أقدمها مركز البحوث النووية، وتتنوع نشاطاته لتشمل البحوث النووية الأساسية، وبحوث الطرف الأمامي لدورة الوقود النووي والمفاعلات، وكذلك تطبيقات النظائر المشعة في الطب والصناعة والزراعة.

1- المركز القومي لبحوث وتقنية الإشعاع: ويهدف إلى تنمية البحوث والتطوير باستخدام الإشعاعات المؤينة في مجالات الطب والزراعة والبيئة وغيرها، ويضم المركز العديد من تسهيلات البحث والتطوير التي من أهمها وحدة التشعيع الجامي والمعجّل الإلكتروني.

2- مركز المعامل الحارة وإدارة المخلفات: ويهدف إلى تطوير الخبرة في مجالات الطرف الخلفي لدورة الوقود النووي، ومعالجة المخلفات المشعة، وكذلك إنتاج النظائر المشعة المستخدمة في مختلف التطبيقات الطبية والصناعية.

ثانيا - المفاعلات النووية البحثية:

1- المفاعل النووي البحثي الأول (ET-RR-1): بدأ العمل به عام 1961، بمساعدة الاتحاد السوفيتي السابق، وهو مصمم لإنتاج النظائر المشعة وتدريب العاملين والفنيين، وهو مفاعل تجارب فقط، تبلغ قوته 2 ميجاوات، ويعمل باليورانيوم المغني، ويوجد به 9 قنوات كل قناة تسمح بخروج نيوترونات بقدر معين واتجاه معين لإجراء تجارب التشعيع وإنتاج النظائر المشعة، ويفصل بين المشتغلين في كل قناة حائط ضخم من الرصاص يمنع تأثير الإشعاعات لكل قناة على تجارب القناة المجاورة لها، ولا يصلح الوقود النووي الناتج من تشغيل المفاعل للأغراض العسكرية

2- المفاعل النووي البحثي الثاني متعدد الأغراض (MRR): أقيم بالتعاون مع الأرجنتين وتم افتتاحه في فبراير 1998، بقدرة 22 ميجاوات ويعد إضافة تقنية جديدة في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، ولا يستخدم في الأغراض العسكرية، ويحقق مردوداً اقتصادياً بإنتاج عديد من النظائر المشعة، ومصادر إشعاع جاما اللازمة لتشغيل معدات علاج الأورام، بالإضافة إلى تعقيم المعدات الطبية والأغذية، وينتج المفاعل رقائق السيلكون المستخدمة في الصناعات الإلكترونية الأساسية، ويقوم باختبار سلوك الوقود والمواد الإنشائية للمفاعلات، ويساهم في توفير النظائر المشعة المطلوبة للتطبيقات الطبية والزراعية والصناعية، ويؤهل مصر للاعتماد على الذات في مجالات الاستخدامات السلمية للطاقة النووية


ثالثا - تأهيل الكوادر البشرية:

تضطلع هيئة الطاقة الذرية المصرية ببرامج للتأهيل والتطوير المستمر للكوادر البشرية العاملة بها، والملتحقين الجدد، وذلك للإلمام بمبادئ الفيزياء الصحية والوقاية الإشعاعية والتعامل مع المصادر الإشعاعية، وهناك برامج متخصصة لكل مركز من مراكز الهيئة لتأهيل الكوادر الخاصة قبل الالتحاق بالعمل

وتجري الهيئة سلسلة متواصلة من برامج التدريب تغطي عديداً من المجالات، من أهمها: تطبيقات مفاعلات البحوث، والمعجلات، الوقاية الإشعاعية، تطبيقات النظائر المشعة، الإلكترونيات، تحلية مياه البحر، تآكل الفلزات وحمايتها، تحليل الانهيارات، اللحام، الأمان البيئي، توكيد الجودة، إدارة المخلفات، وتجري بعض هذه الدورات التدريبية ضمن برنامج التعاون الإقليمي والدولي


رابعا- التعاون الإقليمي والدولي:

شاركت هيئة الطاقة الذرية المصرية كعضو مؤسس في الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1957م، ومنذ هذا التاريخ أبرمت الهيئة اتفاقيات للتعاون الثنائي مع العديد من الدول في مجالات تبادل المعلومات، والتدريب، ونقل التقنية، وتبادل الخبرات، وتوريد المعدات الفنية

وتأتي مصر على رأس قائمة الدول التي تقوم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتمويل مشروعاتها البحثية والتقنية، وتشارك الهيئة المصرية في برامج للتعاون مع دول ومنظمات دولية كثيرة على المستويين الإقليمي والدولي، تشمل: الدول الإفريقية، والهيئة العربية للطاقة الذرية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمركز الدولي للفيزياء النظرية بإيطاليا، وجمهورية روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة، والأرجنتين، وكندا، والهند



أسباب تراجع البرنامج النووي المصري


ترجع أسباب تراجع البرنامج النووي المصري الى :


أولا : العوامل السياسية والاستراتيجية:

تعد مصر واحدة من بين بلدان العالم الثالث المحدودة التي أُتيح لها منذ البداية المشاركة في عملية صنع الاتفاقيات الخاصة بنزع السلاح، من خلال عضويتها بلجنة الدول الثماني عشرة لنزع السلاح التي أُنشئت عام 1961والمسماة حالياً بمؤتمر نزع السلاح ومقره جنيف، هذا بالإضافة إلى أن الرئيس المصري محمد حسني مبارك أولى عناية خاصة لقضايا نزع السلاح في إطار رؤيته الشاملة لإعادة البناء الاقتصادي لمصر، وما يتطلبه ذلك من نزع فتيل سباق التسلّح في منطقة الشرق الأوسط ودعم الأمن والاستقرار فيها

وقد بلورت مصر موقفها النهائي تجاه هذه المنطقة في عدة نقاط، من بينها أن التزام مصر بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط أمر لا يرقى إليه شك، وقد ظلت مصر على امتداد السنين تؤدي دوراً قيادياً في تعزيز الهدف المتمثل في تخليص المنطقة من تهديدات هذه الأسلحة، ومن ناحية أخرى فقد أصبح مفهوماً أن تعبير سياسة مصرالنووية لم يعد يرتبط بأية مساع لامتلاك سلاح نووي، فقد اتخذت مصر قراراً استراتيجياً في وقت ما قبل عدة عقود بالتوقّف عن التفكير في الخيار النووي العسكري

وترسخ تصور محدد عبر العالم استناداً إلى مؤشرات جادة بأن مصر تمثل واحدة من أبرز أعضاء نادٍ صغير من الدول قامت أطرافه طوعاً بتبني سياسة اللانووية العسكرية، ورغم امتلاكها قدرات ملموسة في هذالميدان على غرار البرازيل، والأرجنتين، وكوريا الجنوبية، وتايوان، إضافة إلى القوتين الكبريين في النادي النووي المدني وهما اليابان وألمانيا

ثانيا: القيود التقنية الدولية:

كانت الرغبة في الحصول على الطاقة النووية من بين أسباب تصديق مصر على معاهدة عدم الانتشار النووي، فقد لمست منذ عامي 1974، 1980 تشدد الدول المالكة للتقنيات النووية بشأن تصدير هذه التقنيات للدول غير الأعضاء بصفة كاملة في معاهدة عدم الانتشار، وذلك من خلال رفض الولايات المتحدة، وألمانيا الغربية، وكندا، وفرنسا الدخول في مفاوضات جدية معها للتعاون النووي دون أن تنضم للمعاهدة أو تخضع لشروطها

ورغم ما يقال عن أن مصر استفادت بالتوقيع على المعاهدة في تدعيم مصداقية توجهاتها الخاصة بنزع الأسلحة النووية القائمة في المنطقة لدى إسرائيل تحديداً، وعدم دعم أي محاولة لتوسيع دائرة انتشار تلك الأسلحة في المنطقة لدى دول أخرى، وأنها تمكنت من تطوير قدراتها النووية السلمية البحثية، فإن اتصالاتها التي أجرتها بعد التوقيع على معاهدة الانتشار بغرض بناء بعض المفاعلات النووية - لم تسفر عن نتيجة عملية أو مادية ملموسة حتى تم تجميد البرنامج عام 1986،

بل إن الدول المتقدمة في الصناعات العسكرية سعت إلى تقنين القيود الفنية والتقنية بمجموعة من الإجراءات بدءاً من مجموعة استراليا للتحكم في المواد الكيميائية والبيولوجية عام 1985، ومروراً بنظام MTCR (نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ)، وانتهاءً بإعلاني باريس ولندن عام 1991 المتعلقين بنقل الأسلحة التقليدية ومنع أسلحة الدمار الشامل

وقد شكّلت هذه القيود التقنية واحداً من أسباب تراجع البرنامج النووي المصري، وزاد من خطورة القيود التقنية الدولية أن ظروف أزمة الاقتصاد المصري مثَّلت في حد ذاتها حدوداً معينة بشأن قدرة مصر الفعلية على مجاراة سباق التسلح بالمنطقة، وارتياد مجال تقانة التسلح المتقدمة دون التضحية بالموارد الموجهة لعملية التنمية، وهو ما اتضح في عدة أمور، من أهمها تجميد البرنامج النووي عام 1986، نظراً لتكلفته المادية العالية، ومخاطره غير المأمونة، وخصوصاً في أعقاب انفجار المفاعل النووي السوفيتي تشيرنوبل، ومن الملاحظ أن عام 1986 شهد مواجهة أزمة اقتصادية حادة

ثالثا: مجموعة العوامل الداخلية:

يذكر الأمين العام السابق لهيئة الطاقة الذرية المصرية أربعة أسباب أدّت إلى التراجع الشديد للبرنامج النووي المصري هي:

(1) عدم تعاون القيادات العلمية والإدارية بمؤسسة الطاقة الذرية ودخولها في صراعات ونزاعات وعدم الاستقرار الإداري، وهو ما أدى إلى تعاقب أكثر من 12 قيادة على رئاسة الهيئة المصرية للطاقة الذرية في فترة وجيزة، حتى أن بعضهم لم يستمر في منصبة سوى عدة أشهر مثل د. أحمد حماد الذي لم يكمل عاماً في منصبه من 1959 - 1960 في حين تحتاج مثل هذه المؤسسات إلى نوع من الاستقرار، وزاد من فداحة الأمر أن كل تغيير في المسؤولين كان يصاحبه تغيير في السياسات والتوجهات التي تنظم عمل الهيئة، وهو ما ظهر في تمزق الهيئة وتفتيت وحدتها، وتغيير سياستها، خصوصاً بعد ترك صلاح هدايت لإدارتها 1960 - 1965

(2) خطأ حسابات القيادات السياسية في رصد خريطة القوى النووية العالمية، ومدى إمكانية تعاون بعضها في مساعدة مصر على بناء قدرة البساط من تحت أقدام الاتحاد السوفيتي، كما لم تستفد الحكومة المصرية من علاقاتها مع كندا في الحصول على مفاعل نووي مثلما فعلت الهند، وألقت القيادة المصرية في عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بكل أوراقها في الملعب السوفيتي، خصوصاً مع تعهد السوفييت ببناء مفاعل نووي لمصر، لإحداث توازن مع القوة النووية الناشئة آنذاك في إسرائيل

ولكن الاتحاد السوفيتي أخلّ بتعهداته، بل حاول تعطيل بناء المفاعل البحثي الأول الذي استكمل عام 1961م، وانسحب الروس قبل إتمامه بحجج مختلفة، بل وتدخلت القيادة السوفيتية لدى الكنديين للحيلولة دون حصول مصر على مفاعلات كاندو المتوسطة، بعدما رأوا إصرار المصريين على استكمال قدراتهم النووية في ذلك الحين، ويؤكد الدكتور عثمان المفتي الذي تأسس أول مفاعل نووي عربي تحت رئاسته أن الاتحاد السوفيتي لم يكن جاداً في يوم من الأيام في وعوده بمساعدة مصر على بناء قدرة نووية، حيث رفض الروس السماح لأي من أعضاء أول بعثة علمية أرسلتها مصر عام 1956 بدراسة أي تخصص يتعلق بالطاقة النووية بحجة أن ذلك مقصور على الروس فقط

(3) جاء تفتيت مؤسسة الطاقة الذرية المصرية سنة 1976م وانفصال أقسامها إلى عدة كيانات مستقلة كأحد الأسباب الرئيسة للتدهور الذي أصاب البرنامج النووي المصري؛ فلقد تفتتت الهيئة وتولدت عنها مؤسسة لمحطات توليد الكهرباء، وهيئة للمواد النووية، إضافة إلى هيئة الطاقة الذرية، وتوزعت هذه المؤسسات في تبعيتها على عدة جهات ووزارات مختلفة مثل البحث العلمي أحياناً، ووزارة الكهرباء والطاقة أحياناً أخرى

وكان الخطأ ليس فقط في انعدام التنسيق بين هذه المؤسسات المتكاملة بطبيعتها، وإنما في أن مثل هذه المؤسسات بالغة الأهمية والخطورة لم توضع تحت إشراف جهات سيادية عليا كرئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء، كما يحدث عالمياً، فأصبحت هيئة الطاقة الذرية مثلاً تابعة لوزارة الطاقة والكهرباء، في حين تحتاج إدارة هذه المؤسسات إشرافاً مباشراً من أعلى جهة سيادية في البلاد لضمان عدم توقف العمل وانتظامه وفق ما هو مخطط له.

(4) وكانت أخطر ضربة وجِّهت للمشروع النووي المصري هي التوقيع على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية في ديسمبر عام 1996، ثم الموافقة على البروتوكول النموذجي الإضافي الذي أقرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد قضى ذلك على إمكانية تطوير البرنامج النووي المصري عسكرياً، حيث رأى الخبراء العسكريون أن هذا البروتوكول يستهدف تطوير نظام التفتيش والمراقبة على المرافق والمنشآت والمواد النووية لدى الدول غير المالكة للسلاح النووي، والمرتبطة مع الوكالة مثل مصر وبقية الدول العربية أكثر صراحة وأشد تدخلاً في سيادتها الوطنية

وهذا النظام يستلهم فلسفته من تجربة الوكالة مع العراق بعد هزيمته في حرب تحرير الكويت، وقد انعكس ذلك سلباً على البرنامج النووي المصري إلى الحد الذي يصفه الرئيس الأسبق لهيئة الطاقة الذرية المصرية بأنه لأول مرة في العقود الأخيرة يغيب البعد النووي من سياسة الطاقة المصرية، إذ إن السياسة المعلنة حتى عام 2017 ليس فيها اتجاه نووي، وهو ما من شأنه على حد قوله أن ينتهي بتجميد المشروع النووي المصري

رابعا: التحول بفعل الابتزاز الإسرائيلي:

يرى المراقبون أن المسيرة النووية في الشرق الأوسط آخذة في النمو من خلال مؤشرات معلنة بأن انطلاقة واسعة في اتجاه امتلاك عدة دول في المنطقة برامج نووية مدنية قوية سوف تحدث تحوّلاً حقيقياً في شكل الإقليم، سواء فيما يتعلق بإعادة تعريف القوى المحورية فيه، أو هياكل اقتصادياتها أوتوجهاتها التنموية أو تطورها التقني وربما علاقاتها البيْنية، وتوجهات الرأي العام داخلها، لكن الأهم أن تلك التطورات سوف تكون لها آثار استراتيجية مهمة قد تفتح الباب للتفكير بصورة مختلفة في كيفية التعامل مع القضايا النووية المعلقة، ليس عبر ما تتضمنه تلك التطورات من احتمالات عسكرية، وإنما مع ما تضغط في اتجاهه بشأن إعادة ترتيب الأوضاع النووية بين الدول على نحو يضمن استقراراً إقليمياً حقيقياً من هذه الزاوية

ويرى هؤلاء المراقبون أن مصر مؤهلة لتكون أحد اللاعبين الرئيسين في مرحلة الانتشار الجديدة بجانب إيران، وتركيا، وليبيا، فمصر لديها قواعد قوية لبرنامج نووي مدني في الداخل، حيث إن مفاعلها النووي الثاني هو المفاعل الأكبر في طاقته بالمنطقة 22 ميجاوات بعد مفاعل ديمونة العسكري، ولديها أيضاً صورة دولية لن تؤدي إلى عراقيل كبيرة في اتجاه استئناف قرارها المتعلق بتأجيل امتلاك مفاعلات القوى النووية

وكانت مصر قد أعلنت في أول مايو 2002 عن إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية في غضون ثمانية أعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية، والصين، وهو ما وُصف بأنه نقلة نوعية هامة على طريق البرنامج النووي المصري، خصوصاً وأن مصر لديها بحسب تقدير الخبراء انفجار في الكوادر العلمية النووية بدون عمل تقريباً، والمفاعلان البحثيان الحاليان في أنشاص يكفيان لتدريب العلماء المصريين تجريبياً وليس تطبيقياً، ووجود محطة نووية كبيرة تصلح للتطبيق فيما يتعلق بأبحاث الطاقة الذرية أمر هام

وتحسباً لمثل هذه التطورات، من الطبيعي أن تعمل إسرائيل كل ما في وسعها لعرقلة تقدم مصر بمنع دخول تقنية المحطات النووية إليها بما تحققه من تنويع لمصادر الطاقة والحفاظ على الموارد الناضبة واستخدام البرنامج النووي في تطوير الصناعة المصرية وتنشيط حركة البحث العلمي

وللأسف كان تعامل مصر مع الابتزاز الإسرائيلي بمنطق "سد أبواب الريح"، وكان من قبيل ذلك ما تردد مؤخراً حول أن الحكومة المصرية تدرس تحويل موقع "الضبعة" بالساحل الشمالي لمصر وهو الموقع الوحيد المؤهل حالياً لإنشاء محطات نووية إلى منتجع سياحي، وهو ما أكده وزير السياحة المصري الذي قال: "إنه زار الموقع بصحبة وفد أجنبي ومحافظ مطروح لاستطلاع إمكانات الموقع السياحية، وما إذا كان يصلح لإقامة منطقة سياحية"، وأضاف قائلاً: "لقد وجدت أن الموقع يصلح"

وكان قد تم اختيار هذا الموقع عام 1980 بعد دراسة أحد عشر موقعاً مرشحاً، وصدر القرار الجمهوري رقم (309)بتخصيصه لإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، وتم بالفعل إجراء دراسات تفصيلية أسندت إلى شركة فرنسية متخصصة، حيث قامت بإعداد كافة الدراسات الجيولوجية الخاصة بالزلازل، والأرض، وحركة المياه الجوفية، وحركة التيارات البحرية، والمد والجزر، بالإضافة إلى الدراسات السكانية

وانتهى الأمر إلي تأهيل الموقع لإنشاء محطات نووية، نظراً لأنه يفي بشروط الأمان وفقاً لاشتراطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد أحاط بالمشروع عدد من الظروف والملابسات، من بينها: التردد في اتخاذ القرارات، رغم ما يسبقها من دراسات تفصيلية، ووقوع حادثة انفجار المفاعل الروسي تشيرنوبل عام 1986 قبل موعد إعلان الفائز بمناقصة توريد مفاعلين كل منهما بقدرة 1000 ميجاوات لمحطة الضبعة بأسبوعين. توقف العمل بالمشروع وتركزت أنشطة هيئة المحطات النووية على إجراء مجموعة من الدراسات بالتعاون مع الهيئة الدولية للطاقة كان مقرراً لها أن تنتهي عام 2000

وهكذا، يأخذ الحلم النووي الذي راود المصريين عشران السنين في التلاشي، بتحويل الموقع إلى منطقة سياحية، ويضيع معه الأمل في تحقيق نوع من التوازن ولو رمزي مع البرنامج النووي الإسرائيلي، وذلك بسبب ممارسة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية

خامسا: التصورات السائدة عن السلاح النووي الإسرائيلي:

سيطرت على المدركات العربية بشأن السلاح النووي الإسرائيلي مجموعة من التصورات ساهمت في تكريس الاتجاه نحو التخلّي عن امتلاك قدرات نووية، ولم تكن مصر بمنأى عن هذه التصورات التي تقوم على أن الدول النووية الكبرى ملزمة بعدم انتشار الأسلحة النووية في الدول الأخرى، وأن الولايات المتحدة تريد إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسحلة التدمير الشامل، وأن السلاح النووي الإسرائيلي هو سلاح هدفه الردع بالشك وليس سلاحاً للقتال أو الاستخدام، وأنه لو استخدم كسلاح قتالي فسوف يستخدم كخيار أخير، وأن إسرائيل قد تنضم إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية خصوصاً إذا ما تحقق السلام في المنطقة



البرنامج النووي المصري ..تاريخ من الأزمات

أثيرت في نهاية عام 2004 ضجة حول وجود برنامج نووي مصري سري لإنتاج الأسلحة النووية، فقد زعمت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن علماء مصريين أجروا تجارب نووية داخل مصر وخارجها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وقالت الصحيفة إن مفتشي الوكالة نقلوا مؤخراً عينات من مواقع مصرية لتحليلها معملياً، لتحديد توقيت إجراء هذه التجارب وطبيعة المواد المستخدمة فيها،و زعمت الصحيفة أن جانباً من التجارب المصرية تم في إطار اتفاقات للتبادل العلمي، وأن تجارب منها تمت في فرنسا وأخرى في تركيا

كما ذكرت وكالة أنباء أسوشيتدبرس أن مصر حاولت إنتاج عدة مركبات من اليورانيوم دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك، واشتملت مواداً تسبق إنتاج مادة يورانيوم هكسافلورايد (سادس فلوريد اليورانيوم) القابلة للتخصيب وإنتاج يورانيوم للأغراض العسكرية

وفي معرض ردود الفعل على هذه الضجة، أكّدت الخارجية المصرية تعاون مصر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واحترامها لالتزاماتها بشكل مستمر ، و قال إن وضع مصر بشأن برنامجها النووي سليم تماماً، وإن الوكالة ستصل قريباً إلى اللحظة التي ستقول فيها ذلك، حيث تم إبلاغ الوكالة بأن أحد الأنشطة النووية متوقف منذ 25 عاماً

فما هي حقيقة البرنامج النووي المصري؟ وكيف بدأ ؟ وماهي مراحل التطور التاريخي التي مر بها وقدراته، وتقويمه، ولماذا تراجع هذا البرنامج؟
تعال معنا لتعرف الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها الكثير و الكثير

التطوّر التاريخي:

حين أطلق الرئيس الأمريكي أيزنهاور مبادرة -الذرة من أجل السلام -عام 1953 لاستغلال الإمكانات الهائلة الكامنة في الذرة من أجل توفير الطاقة والمياه اللازمتين لحل مشكلات التنمية في العالم، كانت مصر من أوائل دول العالم التي استجابت لهذه المبادرة لضمان التنمية المستديمة فيها

ففي عام 1955 تم تشكيل لجنة الطاقة الذرية برئاسة الرئيس جمال عبدالناصر، لوضع الملامح الأساسية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في مصر، وفي يوليو من العام التالي تم توقيع عقد الاتفاق الثنائي بين مصر والاتحاد السوفيتي بشأن التعاون في شؤون الطاقة الذرية وتطبيقاتها في النواحي السلمية، وفي سبتمبر من عام 1956وقّعت مصر عقد المفاعل النووي البحثي الأول بقدرة 2 ميجاوات مع الاتحاد السوفيتي، وتقرر في العام التالي إنشاء مؤسسة الطاقة الذرية

تلا ذلك اشتراك مصر عام 1957 عضواً مؤسساً في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبفضل ثقة العالم في النوايا السلمية للبرنامج النووي المصري حصلت مصر على معمل للنظائر المشعة من الدنمارك في العام نفسه، وبدأ تشغيل المفاعل النووي البحثي الأول عام 1961، و تم توقيع اتفاق تعاون نووي مع المعهد النرويجي للطاقة الذرية، وفي عام 1964 طرحت مصر مناقصة لتوريد محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 150 ميجاوات (أي 150 ألف كيلووات)وتحلية المياه بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم، وبلغت التكلفة المقدرة 30 مليون دولار، إلا أن حرب يونيو 1967 أوقفت هذه الجهود

وبعد حرب 1973م طرحت مصر عام 1974مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 600 ميجاوات، وتم توقيع عقد لإخصاب اليورانيوم مع الولايات المتحدة، وشهد عام 1976إصدار خطاب نوايا لشركة وستنجهاوس، وكذلك توقيع اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة، إلا أن تلك الجهود توقفت في نهاية السبعينيات، بسبب رغبة الولايات المتحدة لإضافة شروط جديدة على اتفاقية التعاون النووي مع مصر نتيجة لتعديل قوانين تصدير التقنية النووية من الحكومة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، بحيث تشمل هذه الشروط التفتيش الأمريكي على المنشآت النووية المصرية كشرط لتنفيذ المشروع

وقد اعتبرت الحكومة المصرية هذا الأمر ماساً بالسيادة ورفضته، وأدى ذلك إلى توقّف المشروع، وانضمت مصر عام 1981 لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ووقعت عدة اتفاقيات للتعاون النووي مع كل من: فرنسا، والولايات المتحدة، وألمانيا الغربية، وانجلترا، والسويد، وقررت الحكومة تخصيص جزء من عائدات النفط لتغطية إنشاء أول محطة نووية (محطة الضبعة بالساحل الشمالي)، كما وقعت في العام التالي 1982اتفاقية للتعاون النووي مع كندا، وأخرى لنقل التقنية النووية مع استراليا

وفي عام 1983، طرحت مصر مواصفات مناقصة لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء قدرتها 900 ميجاوات، إلا أنها توقفت عام 1986، وكان التفسير الرسمي لذلك هو المراجعة للتأكد من أمان المفاعلات بعد حادث محطة تشيرنوبل، رغم أن المحطة التي كانت ستنشأ في مصر من نوع يختلف تماماً عن النوع المستخدم تشيرنوبل، مما يوحي بأن التبرير الرسمي لإيقاف البرنامج كان مجرد تبرير لحفظ ماء الوجه، فقد ذكر الدكتور علي الصعيدي رئيس هيئة المحطات النووية المصرية أن بنك التصدير والاستيراد الأمريكي أوصى بعدم تمويل المحطة النووية المصرية، كما امتنع صندوق النقد والبنك الدولي عن مساندة المشروع، ثم جاءت حادثة تشيرنوبل والحملات الدعائية الغربية لتخويف دول العالم الثالث، ومن ثم لتجمّد المشروع النووي المصري

وتميزت الفترة - منذ نهاية الثمانينيات حتى الوقت الراهن - بمحاولة كسب التأييد السياسي لدفع البرنامج النووي واستمرار استكمال الكوادر المطلوبة للبرنامج، علاوة على استكمال الدراسات الفنية، فتم إنشاء محاكي المحطة النووية بالموقع المقترح لهيئة الطاقة النووية بالضبعة، وحدث تعاون بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهيئة المحطات النووية المصرية، لدراسة جدوى إقامة المحطات النووية ذات المفاعلات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتم الانتهاء من الدراسة عام 1994

وفي عام 1992 تم توقيع عقد إنشاء مفاعل مصر البحثي الثاني مع الأرجنتين، ثم توالت في السنوات 95، 96، 1998 بعض المشروعات المتعلقة باليورانيوم ومعادن الرمال السوداء وصولاً إلى افتتاح مصنع وقود المفاعل البحثي الثاني

وفي خطوة مثيرة بعد تردد أكثر من 16 عاماً أعلنت مصر في مايو 2002 عن إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية في غضون 8 أعوام بالتعاون مع كوريا الجنوبية، والصين، وهو ما وصفه خبراء مصريون في الطاقة بنقلة نوعية هامة على طريق البرنامج المصري، خصوصاً وأن مصر كما يقولون لديها "انفجار" في الكوادر العلمية النووية بدون عمل تقريباً، كما أن المفاعلين الموجودين حالياً يكفيان لتدريب العلماء تجريبياً وليس تطبيقياً، وأرجع بعضهم إنشاء المحطة الجديدة إلى استيعاب الكوادر الفنية المصرية المتزايدة في مجال الطاقة النووية، وربما أيضاً لعدم الاعتماد فقط على الغاز الطبيعي في مجال الطاقة

وترجع أهمية الإعلان عن إنشاء هذه المحطة إلى رفض مصر على مدى 16 عاماً فكرة بناء مفاعلات نووية لأسباب مختلفة، وكان الرئيس مبارك قد كرّر أكثر من مرة في تصريحات رسمية رفضه بناء مفاعلات نووية لإنتاج الطاقة بسبب مخاطرها، إذ قال في طريق عودته في 29 أبريل 2001 من جولة شملت ألمانيا ورومانيا وروسيا: إنه لا تفكير في الوقت الحالي في إقامة محطات نووية لتوليد الكهرباء في مصر، لأنه تتوافر لدينا كميات كبيرة من الطاقة، واحتياطات الغاز الطبيعي المبلشرة في تزايد من عام إلى آخر، وفي ضوء عدم ترحيب الرأي العام المصري بإقامة مثل هذه المحطات

شهداء مصر من العلماء



قامت إسرائيل بعدة خطوات استهدفت إجهاض وتدمير أي محاولة عربية لتحقيق أي تقدم في المجال النووي أو في مجال الصواريخ، وتضمن ذلك إرهاب واغتيال الكوادر العلمية والتقنية من العلماء العرب المرموقين في المجالات النووية

سمير نجيب سعيد السيد بدير مصطفى مشرفة سميرة موسى يحيي المشد نبيـل القليني


الجهود الإسرائيلية لإجهاض القوة النووية العربية

قامت إسرائيل بعدة خطوات استهدفت إجهاض وتدمير أي محاولة عربية لتحقيق أي تقدم في المجال النووي أو في مجال الصواريخ، وتضمنت هذه الخطوات أساليب سياسية ودبلوماسية، وعمليات مخابراتية، وعسكرية منها:

أولا - بدأت مصر في أوائل الستينيات بمشروع لتطوير صواريخ أرض أرض (القاهر الظافر)عمل فيه عدد من العلماء الألمان، فشنّت إسرائيل حملة سياسية على المستشار الألماني (أديناور) واتهامه بمعاداة السامية، ونفّذت المخابرات الإسرائيلية خطة لإرهاب العلماء الألمان في مصر، وكذلك أسرهم، وذلك بإرسال خطابات ناسفة أصابت عدداً منهم، كما اختفى في ظروف غامضة عالم ألماني هو الدكتور (كروج)أحد كبار العاملين في المشروع.

ثانيا - عندما وافق الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1974م على بيع مفاعل نووي أمريكي لمصر لتوليد الطاقة الكهربية طلبت إسرائيل مفاعلاً مماثلاً، وتم التوقيع على الصفقتين في أغسطس 1976م، إلا أن إسرائيل بدأت في إثارة المشاكل إلى أن تم تجميد الصفقتين

ثالثا - في نهاية 1976م وقّع العراق اتفاقاً مع فرنسا لتزويده بمفاعلين نووين، فبدأت إسرائيل مساعيها لنسف الاتفاق واستمرت فرنسا في تصنيع المفاعلين، وعندما لم تحقق الإجراءات السياسية الهدف الإسرائيلي قامت الموساد بعملية نسف لقلبي المفاعلين في مخازن ميناء طولون الفرنسي، ثم التدخّل بعمل مباشر عنيف بتدمير المفاعل النووي العراقي في 7 يونيو 1981م

رابعا - ابتزاز الشركات الأجنبية وتهديدها، والضغط عليها لوقف تعاملاتها مع الدول العربية في المجالات الاستراتيجية، مثلما حدث مع شركة "جلف أند جنرال أوتو ميكز" الأمريكية التي تراجعت عن مساعدة ليبيا في بناء مفاعل نووي في (سبها) تحت ضغوط الحكومة الأمريكية والأوساط الصهيونية


خامسا - إرهاب واغتيال الكوادر العلمية والتقنية من العلماء العرب المرموقين في المجالات النووية، مثل اغتيال عالمة الذرة المصرية (سميرة موسى) في الولايات المتحدة عام 1952م، واغتيال عالم الذرة المصري (يحيى المشد) في باريس يونيو 1980م، والدكتور (سعيد بدير) عالم الميكرووف المصري بمنزله بالإسكندرية في 14 يوليو 1989م، واغتيال عالم الذرة المصري (سمير نجيب) في ديترويت أغسطس 1967م.للمزيد من المعلومات ..اضغط هنا

هذا إلى جانب الضغط على الدول الغربية المتقدمة لتحديد فرص طلاب دول العالم الثالث في الدراسات ذات الصفة الاستراتيجية، ورفض انضمام طلاب العالم الثالث لأقسام علمية بأكملها، وهذا ما تتبعه بريطانيا، حيث ترفض التحاق أبناء دول العالم الثالث بالمستويات الدراسية الخاصة بتخريج علماء الذرة والصواريخ.

سادسا - التخريب من الداخل عن طريق تجنيد وزرع العلماء والجواسيس داخل المشروع، كما حدث في مشروع الصواريخ المصري في الستينيات بواسطة النازي السابق (سكورتنسي) مقابل إغلاق ملفه النازي القديم، وكذلك تدمير مصنع الرابطة الليبي


سابعا - شن الحملات التشهيرية واسعة النطاق للتهويل من أي خطوة عربية مهما كانت متواضعة باتجاه الجهد النووي، والتخويف من القنبلة العربية، والقنبلة الإسلامية، والقنبلة الإرهابية، والفوضى النووية ...إلخ من أجل تهيئة الرأي العام العالمي لقبول أي خطوات عنيفة موجهة لتحطيم الجهد العربي في هذا المجال.

وإذا كانت هذه الأساليب قد اتبعت أو اتبع معظمها في الماضي، فلربما حالت اتفاقيات السلام دون اتباعها حالياً، فلا أقل من شن حملة إعلامية ضد مصر لأسباب مختلفة ليس من بينها حقيقة البرنامج النووي المصري، ولكن لاتخاذه ذريعة لإثناء مصر عن مواقف معينة لا تتفق مع رؤية كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

المحاولات العربية لامتلاك التقنية النووية


قبل سبعينيات القرن العشرين اقتصر الوعي العربي لأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الطاقة النووية على بضعة أقطار عربية، وقد تبلور هذا الوعي في أن الطاقة النووية كمصدر لا ينضب ومضمون سيكون له دور مهم في برامج التنمية الاقتصادية لهذه الأقطار، وبعدئذٍ تكشّف تنفيذ هذه الفكرة في الجزائر ومصر والعراق عن انشغال بجوانب معينة من صناعة الطاقة النووية الثقيلة، في حين أحرزت بقية الأقطار العربية تقدماً متباين الدرجات ببعض جوانب صناعة الطاقة النووية الخفيفة، وعلى ذلك يصنّف الباحثون التوجُّه العربي لحيازة التقنية النووية إلى صنفين:

الصنف الأول: ينبع من الحاجة إلى استيعاب التقنية النووية وتمثّلها وتطويعها واستخداماتها في شتى المجالات السلمية. وبغض النظر عن الصعاب التي تواجه تنفيذ هذا العمل، فإن الجزائر ومصر والعراق قد عزمت على تحقيقه كما تشير خططها التنموية وأصابت نجاحاً نسبياً جديراً بالاعتبار.


الصنف الثاني: يتركّز في استخدام التقنية النووية الخفيفة فقط، حيث يبذل جهوداً واسعة لاستخدام النظائر المشعة في الري والزراعة والطب والصناعة والبيئة، ولقد أصاب هذا التوجّه نجاحاً بارزاً في الري والطب، وسيبدي مزيداً من النجاح خلال العقد القادم.

وهناك ثلاث دول عربية تميّزت في وقت ما بقوة التوجه في برامجها النووية، وهي: مصر، والعراق، والجزائر، وقد حاولت الجزائر اقتحام هذا المجال منذ فترة طويلة، إلاّ أن الوضع الاقتصادي وكثرة القلاقل الداخلية، وعدم توفّر كوادر علمية متخصصة للنهوض ببرنامج نووي ذي فاعلية لم يمكنها من ذلك.

وقد اقتصر النشاط الجزائري في هذا المجال على صور للتعاون مع بعض الدول مثل ألمانيا، والأرجنتين، وكوريا الشمالية، وباكستان لإنشاء مفاعلات أبحاث، وتمتلك الجزائر مفاعلين نووين بقدرة ضعيفة يستخدمان للأغراض السلمية

أما العراق فقد حصل على أول مفاعل نووي عام 1968م من الاتحاد السوفيتي، وشهدت الفترة منذ عام 1975م حتى عام 1979م تعاوناً نووياً بين العراق وفرنسا تم خلالها تزويد العراق بمفاعلين يعملان باليورانيوم المخصب الذي تعهدت فرنسا بتقديمه وبتدريب (600)عالم ومهندس وفني عراقي في المجالات النووية. كما تم توقيع بروتوكول للتعاون النووي في مجال الأبحاث العلمية والتطبيقية بين العراق وإيطاليا عام 1977م بشأن التدريب وأعمال الصيانة للمفاعلات النووية الأربعة التي تم توقيع اتفاق لشرائها.

ومنذ عام 1974م ظل العراق يبذل جهوداً كبيرة لتوفير مصادر الوقود النووي اللازم لتشغيل مفاعلاته محلياً ومن مصادر خارجية، وشهد عاما 79، 1980م قيام إسرائيل بتعطيل البرنامج النووي العراقي

وبالنسبة لمصر، فإن الحديث عن سعيها لتطوير قدرات نووية حقيقية بما يسمح لها بإنتاج سلاح نووي قد تزايد منذ عام 1998م عندما صرّح الرئيس مبارك بأن "مصر ستتزود بالسلاح النووي إذا دعت الحاجة لذلك"، وهو ما أثار المخاوف الصهيونية، وزاد القلق أكثر عندما أعلنت مصر في أبريل 2002م أنها قررت إنشاء محطة للطاقة النووية السلمية في غضون ثمانية أعوام، بما يعني توافر محطة حقيقية وليست تجريبية مثل المحطات الحالية، وهو ما تم وصفه بأنه نقلة نوعية هامة في طريق البرنامج النووي المصري.

وكان المشروع النووي المصري قد بدأ عام 1955م طموحاً، وبدا أنه بإمكانه التوسّع والنمو، ولكن سرعان ما أخذ يتراجع بشكل ملحوظ بعد هزيمة يونيو 1967م، حيث توجّه الدعم المادي وموارد البلاد نحو تسليح الجيش المصري وإعادة بنائه، ورغم ذلك لم يأخذ المشروع الاهتمام الكافي به، حيث أعلنت القيادة السياسية تركيز جهودها ومواردها للإصلاح الاقتصادي، وإعادة بناء البلاد بعد الانتهاء من الحرب، فشهدت فترة السبعينيات تراجعاً مستمراً في الاهتمام بالمشروع، خصوصاً مع توقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وهجرة معظم علماء الذرة المصريين خارج البلاد.

ووصل التراجع عن المشروع بتصديق مجلس الشعب المصري على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية عام 1981م، رغم عدم قبول إسرائيل بالانضمام إليها، ثم بتوقيع مصر على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية في ديسمبر 1996م، وهو ما اعتبر إعلاناً رسمياً بتخلي مصر عن الخيار النووي. ومن ثم مثَّلت سياسة التخلي المصرية عن الخيار النووي العسكري أهم معالم صورة مصر بالنسبة للدول في هذا الميدان .