شرح قصيدة البردة

Zohoor Alreef

عضو جديد
23 نوفمبر 2018
182
1
0
33
شرح قصيدة البردة

2825-cached.jpg



البوصيري

هو الإمام شرف الدين محمّد بن سعيد بن حماد الصنهاجيّ البوصيريّ، وُلِدَ عام 1213م، وعاش حتّى عام 1295م، وقد اشتُهر هذا الإمام بقصائده التي نظمها في مديح النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وقد اشتُهرت قصائده هذه شهرةً واسعة وانتشرت انتشارًا واسعًا؛ لأنها تميَّزت برأي كثير من النقاد بالعاطفة الصادقة والبنية والصياغة القوية، فكان البوصيري رحمه الله شاعرًا متمكّنًا من الأدوات الشعرية الرئيسة، حتّى استطاع أن يحفر قصائده في عقول المسلمين على مر العصور فأصبحت مرجعًا عظيمًا للشعراء المادحين للرسول الكريم، وهذا المقال مخصص للحديث عن قصيدة البردة للبوصيري وشرحها وقصتها. 1)
شرح قصيدة البردة

لقد اشتُهرت القصيدة للبوصيري قصيدته البردة في مديح النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- وانتشرت وتم إنشادها من قبل كثير من الفرق الإنشادية في الوطن العربي وأصبحت هذه القصيدة مرجعًا رئيسًا في المديح النبوي حتّى كتبَ على نهجها أمير الشعراء أحمد شوقي وكتبَ أيضًا الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي على نهج قصيدة البردة، ومما قال فيها البوصيري: 2).
أمن تذكُّر جيران بذى سلم ِ مزجْتَ دمعًا جرى من مقلةٍ بدمِ
أم هبَّتِ الريح من تلقاءِ كاظمةٍ وأومض البرق في الظلماءِ من إِضَمِ
فما لعينيك إن قلتُ: اكففا همَتَا وما لقلبك إن قلتُ: استفقْ يهمِ
لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعَاً عَلَى طَلَلٍ ولا أَرِقْتَ لِذِكِرِ البَانِ والعَلَمِ
يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَةً مِنِّي إليكَ ولو أَنْصَفْتَ لَمْ تَلُمِ
والنفس كالطفل إنْ تهملْهُ شبَّ علَى حبِّ الرضاعِ وإنْ تفطمْهُ ينفطمِ
فاصرفْ هواها وحاذرْ أن تولِّيَهُ إنَّ الهوى ما تولى يصْمُ أو يَصِمِ
يبدأ الإمام البوصيري قصيدته بمدمة غزلية خاصة به، تختلف غزليته عن غزليات باقي الشعراء، فهو لم يصف ويتغنَ بمحبوبته وفراقها واقفًا على أطلالها، بل شكا آلامًا خاصّةً به وبمن يعذلونه ويلومونه في هواه العذري، ولكنَّه يأبى إلّا أن يذكر الطلل والدموع والهوى، قبل أن ينتقل في مقدمته هذه إلى الحكمة والموعظة، وإلى شرح التجارب الحياتية التي منحته إياها الحياة التي عاشها، كما أنَّه استفتح البردة بذكر مواقع حجازية خاصّة كذكر منطقة كاظمة، وذي سلم .
محمَّدٌ سيِّدُ الكونين والثقلين والفريقينِ من عربٍ ومنْ عجمِ
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته لكل هول من الأهوال مقتحمِ

دعا إلى الله فالمستمسكون به مستمسكون بحبلٍ غير منفصمِ
فاق النبيينَ في خلقٍ وفي خُلُقٍ ولم يدانوه في علم ولا كرمِ
وكلهم من رسولِ الله ملتمسٌ غرفا من البحرِ أو رشفًا من الديمِ
فهو الذي تم معناه وصورته ثمَّ اصطفَاه حبيبًا بارئَ النَّسَمِ
يا ربِّ بالمصطفى بلِّغ مَقاصدنا واغفر لنا ما مضى يا واسعَ الكرَمِ
ثم انتقل البوصيري إلى غرض القصيدة الرئيس وهو مديح رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وقد برع وأبدع في هذا فأتى بتشابيه وصورٍ فنيّة لم يسبقه إليها أحد، فوصف النبيَّ أنه خير الخلق أجمعين وخير الإنس والجن وخير الناس في الدنيا والآخرة، فهو الحبيب الذي نطمع بشفاعته يوم تشتدُّ أهوال القيامة، ثمَّ انتقل إلى وصف المكانة الرفيعة التي خصَّها الله تعالى لنبيِّهِ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- دون غيره من الأنبياء والرسل، فقد فاق النبيين خلقًا وخُلُقًا وعلمًا وكرمًا، حتّى صار كلُّ الأنبياء يلتمسون من بحرِ النَّبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- لأنَّه كامل لا يشوبه نقص في أي شيء، ثمَّ انتقل إلى دعوة الله تعالى بالمغفرة من الذنوب والآثام وجعلَ سيدنا محمد شفيعًا له أمام الله تعالى ليغفر الله ويرحم بجاه النَّبيِّ عليه أفضل الصّلاة والسّلام.
واغفر إلهي لكل المسلمين بما يتلوهُ فِي المسجدِ الأقْصَى وفِي الحرمِ
وهذهِ بردةُ المختارِ قدْ خُتمتْ والحمدُ لله في بدءٍ وفِي خِتَمِ
أبياتها قد أتت ستين مع مِئَةٍ فرِّجْ بها كربنا يا واسعَ الكرَمِ
وختم البوصيري هذه البردة العظيمة بالحمد والشكر والثناء لله تعالى الذي وفقه لكتابه هذه القصيدة في مدح نبيِّ الله تعالى وقد أتمَّها البوصيري فكانت 160 بيتًا من الشعر المضيء بذكر النَّبيِّ الكريم -عليه أفضل الصلاة والسّلام-.
سبب نظم قصيدة البردة

وردَ عن الإمام البوصيري في سبب نظمه لقصيدة البردة في مديح الحبيب المصطفى أنَّه كانَ قد كتبَ كثيرًا من القصائد في مديح النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- قبل أن يبتليَهُ الله بداء الفالج -وهو الشلل النصفي- فقرر الإمام البوصيري أن يكتبَ قصيدته البردة يتضرّع بها إلى الله تعالى ليشفيه، فأنشدها ودعا وتضرّع إلى العزيز الحكيم، ثمَّ نام فرأى النَّبيَّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- يمسح على وجهه بيده، ويلقي عليه بردته الشريفة، فاستفاق البوصيري من نومه بعد ما رأى، وخرجَ من منزلِهِ فرأى فقيرًا فأوقفه الفقيرُ وقال له: أريد أن تعطيني القصيدة التي مدحتَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له البوصيري: أي قصيدة؟ فقال الفقير: التي كتبتها في مرضك وذكر له منها أبياتًا وقال: والله لقد سمعتها تُقرأُ بين يدي رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فألقى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على من قرأها بردَتَهُ الشريفة، فانتشرت هذه القصة بين الناس ولم تزل تنتشر حتّى هذه اليوم والله تعالى أعلم​