قراءة في كتاب مثالب الولادة

Zohoor Alreef

عضو جديد
23 نوفمبر 2018
182
1
0
33
قراءة في كتاب مثالب الولادة

2823-cached.jpg



الفلسفة الوجودية
يمكنُ تعريف الفلسفة الوجودية على أنَّها تيّارٌ فلسفي واسع الانتشار يقوم على مبدأ الإعلاء من قيمة الإنسان وقد انتشر هذا المذهب في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلادييَن، ويرجعُ سبب تسمية الفلسفة الوجودية بهذا الاسم إلى أنَّها كانت تهتم بالإجابة على الأسئلة الوجودية التي تتعلق ببداية الخلق ونهايته وبداية نشأة الأرض ونهايتها، ويؤكِّدُ أتباع الفلسفة الوجودية أنَّ الكائن البشري سواء كان عالمًا أو فيلسوفًا أو إنسانًا عاديًّا، فإنَّه يبحث عن المعرفة اللامتناهية أو المطلقة وهو بالنهاية كائن بشري فقط ولن تتحقق له هذه المعرفة، وهذا المقال مخصّصٌ لتسليط الضوء على الفيلسوف إميل سيوران والحديث عن كتاب مثالب الولادة واقتباسات من كتابه. 1)

نبذة عن إميل سيوران
هو كاتب وفيلسوف شهير من رومانيا، وُلِدَ عام 1911م في قرية تُسمى “راسيناري” وهي قرية من قُرى ترانسيلفانيا الرومانية، والتي كانت تحت سيطرة الامبراطورية النمساوية المجرية آنذاك، وقد كانَ والد سيوران قسًّا أرثوذكسيًّا في نفس القرية، وأمُّهُ كانَت بعيدةً بعض الشيء عن كلِّ ما يتعلّق بالأديان واللاهوت وكثيرة الشك في هذه المعتقدات، وقد سافر سيوران إلى “سيبيو” وهي مدينة مجاورة لمدينته عام 1921م وهو ابن عشر سنوات، قبل أن ينتقل أيضًا إلى “بوخارست” ليدرس الفلسفة هناك وفي بوخارست تعرّضت سيوران لبدايات مرض الأرق الذي لازَمَهُ وكاد أن يدفع به إلى الانتحاء ولكنَّه حول اليأس إلى عمل أدبي عظيم بعنوان “على ذرى اليأس” نشره سنة 1934م.
ثمَّ انتقل سيوران إلى برلين، حيث عمل بتدريس الفلسفة في معهد براسلوف، وقد نشر كثيرًا من كتبه وأهمها كتابه “دموع وقديسين” عام 1937م ونشر كتابه “رسالة في التحلل” عام 1949م وكتابه مثالب الولادة أيضًا، وقد ظهرت الكثير من الدلائل في أيام حياته على ارتباطه بالحزب النازي الألماني وبهتلر شخصيًّا، ولكنَّه كان ينكر هذه الصلة ويبرر هذه الارتباطات في أحيان أخرى بالطيش وقلة النضج، ولكنَّ ما نُشر بعد موتِهِ فضح تلك العلاقات بينه وبين النازيين التي كانت أيامات الحرب العالمية الثانية وما قبلها، وقد تُوفِّي إميل سيوران عام 1995م ودُفِنَ في باريس.

قراءة في كتاب مثالب الولادة
قرَّرَ إيميل سيوران كتابةَ كتابهِ مثالب الولادة بعد جملة قالتها له أمُّهُ حين كان يتذمّرُ من هذه الحياة وقسوتها، فقالت له أمُّهُ: “لو كنت علمت ذلك لأجهضتك”، فيقول سيوران: “لقد أصابتني هذه الكلمات بهلع ميتافيزيقي وبإهانة وجودية، وألهمتني تأليف كتاب مثالب الولادة”، وقد استطاع سيوران في كتابه هذا أن يتجرّأ على كلِّ المسلّمات واليقينات والحقائق التي يعتبرها كثير من البشر حقائق بحسب انتماءاتهم الدينية والعقائدية والأدبية، وأكَّد أن المسلّمات التي يهدأ البشر بتصديقها ليست خارج إطار النقد والبحث والتعرّض لها لكشف مدى مصداقيتها، فتناول الأدب والأديان والشعر والتصوّف والسينما ولم يسلم منه الرسم والموسيقى أيضًا.

وقد عبَّر سيوران في مثالب الولادة عن كرهه لفرنسا وحقده عليها، هذا البلد القذر على حد تعبيره، الذي لا يحب سيوران منه إلا مقابره الريفية، وقد استطاع سيوران أيضًا أن يوجِّهَ الكثير من السخرية الموجعة من هذا الوجود السخيف، ولكنّه كان ساخرًا لا مباليًا بهذا الوجود أبدًا، ومما قاله في كتابه هذا: “أنا لا أفعل شيئًا، ولكنني أنظر إلى الساعات كيف تمضي، وهذا أفضل من أن أسعى إلى تأثيثها”، وقد أكّد سيوران في كتابه هذا تمرُّدَهُ على الفطرة البشرية أيضًا حين قال: “اقترفت كل الجرائم، باستثناء أن أكون أبًّا، علينا نسيان أن نولد”، ولذلك كانَ سيوران رافضًا للكذبة الكُبرى بحسب قولِهِ، وهي الوجود.
والخلاصة أن سيوران استطاع أن يقلبَ ويغيِّرَ في نظرة الناس للأسئلة الوجودية التي تدور في عقولهم، ولم يظهر لها احترام البشر المعهود بل استطاع أن يقف موقف الساخر منها، مع أنَّها تعدُّ شغلَ البشر الشاغل منذ الأزل.

اقتباسات من كتاب مثالب الولادة
بعد الحديث عن إيميل سيوران وكتابه مثالب الولادة، هذه بعض الاقتباسات من كتابه، والجمل التي يعبِّرُ بها سيوران عن شدِّةِ حقدِهِ على هذا الوجود منذ ولادتِهِ وقبل شيخوخته، ومما قاله سيوران في كتابه:

  • قال سيوران عن بوذا: “وقبل الشيخوخة والموت اعتبر بوذا واقعة الولادة مصدرًا لكل العاهات، وكل الكوارث”.
  • يقول أيضًا: “بأي حق تصلّون من أجلي؟ لا حاجة لي بشفيع، سأتدبر أمري لوحدي”.
  • ويقول: “أعلم أن ولادتي مصادفة؛ حادثة مضحكة، وعلى الرغم من ذلك، فإني ما أن أنسى نفسي حتى أتصرف وكأنها واقعة رئيسية ضرورية لمسيرة العالم وتوازنه”.
  • ويقول: “الرذائل مرنة بطبعها يساعد بعضها بعضًا ويتسامح بعضها مع بعض، أما الفضائل الغيورة فهي تتخاصم ويلغي بعضها بعضًا، وليس من مجال إلا وهي تبرهن فيه على تنافرها وعدم تسامحها”.
  • ويعبر أيضًا عن قلقهِ قائلًا: “لا قهوة، لا كحول، لا تبغ، منذ سنوات! من حسن الحظ أن لديّ القلق الذي يعوض بشكل مجدٍ أقوى المنشطات”.
  • ويقول: “قالت لي سيدة مطلعة: أنت ضد كل ما أُنجز منذ الحرب الأخيرة، لقد أخطأتِ التاريخ، أنا ضدُّ كلِّ ما أنجز منذ آدم.