مفهوم نزع الخافض في النحو

Zohoor Alreef

عضو جديد
23 نوفمبر 2018
182
1
0
33
مفهوم نزع الخافض في النحو

2857-cached.jpg



الفعل
جاء في “لسان العرب” لابن منظور الإفريقيّ المتوفّى 711هـ في باب “فعل”: فعل: الفِعل: كِنَايَةٌ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ متعدٍّ أَو غَيْرِ متعدٍّ، فَعَلَ يَفْعَلُ فَعْلًا وفِعْلًا، فَالِاسْمُ مَكْسُورٌ وَالْمَصْدَرُ مَفْتُوحٌ، وفَعَلَه وَبِهِ، وَالِاسْمُ الفِعْل، وَالْجَمْعُ الفِعَال. 1) فالفعل كما يوضِّحُهُ ابن منظور في تعريفه هو ما دلّ على كلّ عمل حدثَ سواء كان عمدًا أم من غير عمد؛ فالمهمّ هو العمل، وأنّهُ حدث. والفعل منه ما هو لازم، أي لا يتعدّى إلى مفعول به؛ بمعنى لا ينصب مفعولًا به، فمعناه يتمّ مع فاعله، ولا يحتاج إلى أن يتجاوزه إلى الفاعل. وفعلٌ متعدٍّ يحتاج إلى مفعولٍ به، أو أكثر؛ ليتمّ معناه. وقد يستغني الفعل المتعدّي بحرف الجر-أحيانًا-عن حرف الجرّ ويتعدّى إلى ما بعد حرف الجرّ بنفسه فينصبه، وعندها يُسمّى هذا الاسم المنصوب: اسمٌ منصوبٌ على نزع الخافض. 2).


تعدي الفعل اللازم
الذي يهمّ الآن هو الفعل اللّازم، فكما ذكر ابن منظور أعلاه أنّ الفعل اللّازم هو الفعل الذي لا ينصبُ مفعولًا به، وأثرُهُ ينتهي عند فاعله، وإذا أراد أن يجاوزَ الفاعل إلى ما بعده؛ فإنّ ذلك يكون بمعيّة حرفٍ من حروف الجرّ، يقول “عبّاس حسن” في كتابه “النّحو الوافي”: وهو: الذي لا ينصبُ بنفسه مفعولًا به أو أكثر؛ وإنّما ينصبه بمعونة حرف جر، أو غيرها؛ ممّا يؤدّي إلى التّعدية، مثل: “أسرف، انتهى، قعد”، في نحو: إذا أسرفَ الأحمقُ في مالِهِ انتهى أمرُه إلى الفَقر، وقَعَدَ في بيتِهِ مَلومًا محسورًا. فكلُّ كلمةٍ من: مال، فقر، بيت … هي في المعنى-لا في الاصطلاح-مفعولٌ بهِ للفعلِ قبلَها، ولكنّ الفعلَ لم يُوقِعْ معناهُ وأثرَهُ عليها مباشرةً من غيرِ وسيط؛ وإنّما أوصَلَه ونقلَهُ بمساعدةِ حرفِ جرٍّ كان هو الوسيطُ في ذلك؛ فهي في الظاهرِ مجرورةٌ به، وهي في المعنى في حكمِ المفعولِ بهِ لذلك الفعل. 3)، وعلى ما سبق فالفعل اللّازم يحتاج إلى طرائق أخرى ليتعدّى إلى المفعول به، أو بلفظ أدقّ ما كان معناه مفعولًا به.

طرائق تعدية الفعل اللّازم
من الممكن جعلُ الفعل اللّازم متعدّيًا إلى مفعولٍ به في المعنى، وذلك بواسطة طرائقَ تتّفق معًا في المبدأ، وهو تعدية الفعل، ولكنّها تختلف فيما بينها في المعاني التي تؤدّيها عند تعدية الفعل. ومن هذه الطّرائق:

  • إدخالُ حرفِ الجرِّ الأصليّ المناسبِ للمعنى على الاسمِ الذي يُعَدُّ في الحكم-لا في الاصطلاح-مفعولًا به معنويًّا للفعلِ اللّازم؛ ليكونَ حرفُ الجرِّ الأصليِّ مساعدًا على توصيل أثرِ الفعلِ إلى مفعوله المعنوي؛ فمثل: قعد، صاح، خرج، يُقالُ في تعديتِهِ بحرفِ الجرِّ: قعدَ المريضُ على السّرير، صاحَ الجنديُّ بالبوق، خرجتُ من القرية. فكلمة: السّرير، البوق، القرية=هي من النّاحيةِ المعنويّةِ في حكمِ المفعولِ به؛ لوقوعِ أثرِ الفعلِ عليها، وإن كانت لا تُسمّى في اصطلاح النُّحاةِ مفعولًا بهِ حقيقيًّا.
  • إدخالُ همزةِ النّقلِ على أوّلِ الفعلِ الثّلاثيّ، وهي همزةٌ تنقلُ معنى الفعلِ إلى مفعوله، ويصيرُ بها الفاعلُ مفعولًا، ولا تقتضي-في الغالب-تِكرارًا، ولا تمهُّلًا، نحو: خُفِي القمر، وأخفى السّحابُ القمرَ، ومثل: جزِعْنا وأجزَعَنا، في قول الشاعر:
    فإنْ جزعْنا فإنّ الشرَّ أجزَعَنا وإن صبَرنا فإنَّا مَعشرٌ صُبُر.
  • تضعيفُ عينِ الفعلِ اللّازم، بشرطِ ألّا تكونَ همزة، ففي نحو: نامَ الطِّفل، نقول: نوَّمَت الأمُّّ طفلَها.
  • تحويلُ الثُّلاثيّ اللّازمِ إلى صيغةِ فاعَلَ الدّالةِ على المشاركة؛ فيُقالُ في: جلسَ الكاتب، ثُمَّ مشى، وسار: جالستُ الكاتب، وماشيتُهُ، وسايرتُهُ.
  • تحويلُ الفعلِ الثّلاثيّ اللّازمِ إلى صيغةِ استَفعَلَ التي تدلُّ على الطَّلَب، أو على النّسبة لشيءٍ آخر، فمثالُ الأوّل: حضر، عان بمعنى: عاون، فيُقالُ: استحضرتُ الغائب، استعنتُ اللّظ°ه؛ أي: طلبتُ حضورَ الغائب، وعونَ اللّظ°ه.. ومثالُ الثّاني: حسن، قبح، فيُقالُ: استَحسَنتُ الهجرة، استَقبَحتُ الظُّلم؛ أي: نُسِبُ الحسنُ للهجرة، ونُسِبَ القُبحُ للظّلم.
  • إسقاطُ حرفِ الجرِّ توسُّعًا، ونصبُ المجرورِ على ما يُسمّى نزع الخافض، وهذا مقصورٌ على السّماعِ الواردِ فيه نفسِه، دونَ استعمالٍ آخر، كقولِهِ تعالى: “أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ” 4)، أي: عن أمرِه، وهذا كسابِقِه يكونُ فيه الفعلُ في حكمِ المُتعدِّي؛ لأنَّهُ العاملُ في المجرورِ معنًى، ولكن لا دخلَ لهُ في نصبِهِ. 5).

مفهوم نزع الخافض
النّزعُ في اللّغة هو أخذ الشّيء من محلّه بقوّة، أو تحريك الشّيء عن مكانه، جاء في معجم مقاييس اللّغة لابن فارس: النُّونُ وَالزَّاءُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قَلْعِ شَيْءٍ. وَنَزَعْتُ الشَّيْءَ مِنْ مَكَانِهِ نَزْعًا. وَالْمِنْزَعُ: الشَّدِيدُ النَّزْعِ. 6). أي إنّ اللّفظ عربيّ صحيح، ومعناه هو قلع الشّيء من مكانه. وأمّا الخفض، فهو نقيض الرّفع، جاء في لسان العرب لابن منظور: والخَفْضُ: ضِدُّ الرفْع. خَفَضَه يَخْفِضُه خَفْضاً فانْخَفَضَ واخْتَفَضَ. والتَّخْفِيضُ: مَدُّكَ رأْس الْبَعِيرِ إِلى الأَرض. 7). والخافض هو حرفُ الجرّ؛ إذ إنّه يجرّ الاسم الذي بعدَهُ، فيُخفِضُهُ، ولذلك سُمّي حرفُ الجرّ، أو الخفضِ في اصطلاح النّحاة الكوفيّين. وأمّا اصطلاحًا فهو تركيبٌ يُعبّرُ عن نصبِ الاسم بعد الفعل الذي يتعدّى إلى مفعوله بحرفّ الجرّ بعد حذف حرف الجرّ الخافض.
فيقول عبّاس حسن في النّحو الوافي: إسقاطُ حرفِ الجرِّ توسُّعًا، ونصبُ المجرورِ على ما يُسمّى نزع الخافض، وهذا مقصورٌ على السّماعِ الواردِ فيه نفسِه، دونَ استعمالٍ آخر، كقولِهِ تعالى: “أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ” 8)، أي: عن أمرِه. 9). وقديمًا لم يكن له هذا الاصطلاح؛ أي إنّ النّحاة القدماء لم يُسمّوه، ولكنّهم ذكروه عرضًا، كإمام النّحاة “سيبويه” في كتابه؛ إذ مرّ عليه في الجزء الأوّل من الكتاب في باب الفاعل الذي يَتعَّداهُ فعلُه إلى مفعولين فإن شئت اقتصرتَ، وسمّاه الحذف والإيصال 10)، وعند ابن يعيش في شرح المُفصّل أشار إليه في باب المفعول فيه، 11)، وكذلك أشار إليه ابن هشام في مغني اللّبيب، وفي أوضح المسالك في باب المفعول فيه، 12).

شروط نزع الخافض
يُعدُّ بحثُ النّصبِ على نزع الخافض، أو النّصبِ بنزع الخافضِ من البُحوث المُشكلةِ في النّحو؛ إذ أولاها النّحاة القدماء اهتمامًا بالغًا، منذُ “سيبويه”، حتّى “مصطفى الغلاييني” مرورًا بـ”ابن هشام”، و “ابن مالك”، وغيرِهم. وقد تجسّدت هذه الظّاهرة في اللّغة نطقًا واستخدامًا من دون أن يكون لها بحث واحدٌ مستقلٌّ في كُتُبِ الأقدمين من النّحاةِ، بل تركوها متناثرةً في أبحاثٍ متفرّقةٍ من كتبهم.، ويُشترطُ في نزع الخافض ثلاثة شروط، وتفصيلُها فيما يأتي:

  • أن يؤمنَ اللَّبسُ: أي: الالتباس، فلا يتوهّم القارئ معنًى غير الذي أراده الكاتب، فمثلًا في قولنا: رغِبتَ في أن تفعلَ كذا، أو رغبتَ عن أن تفعلَ كذا، فهنا لا نستطيع حذف حرف الجرّ؛ لأنّ القارئ لن يعلم إن كان المقصودُ بكلامنا رغبَ في الأمر أو عنه، والاختلاف بين المعنيين كبيرٌ كما نعلم.
  • أن يكون الحذفُ اعتمادًا على القرينة الرّافعة للّبس: أي: أن يكون في كلامنا قرينةٌ يستدلّ بها القارئ على المعنى المُراد، كقول جرير: تمرُّونَ الدّيارَ ولم تعوجوا؛ وهو يريدُ تمرّون بالدّيارِ، وهنا كان الحذفُ اعتمادًا على قرينة.
  • قصدُ الإبهامِ: للرّدع، ومنه قوله تعالىظ°: {وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ} 13)؛ ليرتدعَ من يرغبَ فيهنّ لجمالهنّ ومالهنّ، ومن يرغب عنهنّّ لدمامتهنّ وفقرهنّ. 14).
شواهد مُعربة على المنصوب على نزع الخافض

  • {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىظ° تَهْتَدُوا غ— قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا غ– وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} 15)، فكلمة ملّة هنا منصوبةٌٌ على نزع الخافض؛ والتّقدير: نقتدي بملّة إبراهيم.
  • {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 16)، وكلمة الطّلاق هنا منصوبةٌ على نزع الخافض؛ والتّقدير: وإن عزمو على الطّلاق.
  • {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} 17)، وكلمة عقدة منصوبةٌ على نزع الخافض؛ والتّقدير: ولا تعزموا على عقدة النّكاح.