مقال د. مصعب عزاوي: المجلس الوطني الليبي في مواجهة الذرائعية الغربية

الدعم دوت

عضو جديد
19 مارس 2011
4
0
0
من خلال ملاحظة مدققة لمسير الأحداث المتلاحقة في مشهديتها وألمها في ليبيا الصابرة المصابرة التي تكاد تكون إحدى النماذج الأكثر إقداماً في الثورات التحررية التي عرفها الكون خلال العقود الخمسة الأخيرة ، لما أذهل جميع من شاهد المعنويات العالية و الاستثنائية للمجاهدين الليبيين وهم يخوضون معركتهم التحررية التي طال انتظارهم لها ككل العرب الذين كابدوا ويكابدون القمع منذ استقلالهم عن المستعمر الغربي باختلاف الإخراجات لذلك القمع بين الدول العربية التي تتماثل في جوهرها وأدواتها الاستبدادية النهبوية.

ونحن على يقين بأن المخاض التحرري في ليبيا سوف يكون عسيراً نظراً للتهشيم الاستثنائي الذي تعمد إيجاده المخبول العربي الأول القذافي في تذرية المجتمع من خلال فلسفة فوضوية أكلت الأخضر واليابس في المجتمع الليبي وتركته عارياً في مهب الريح دون أي شبكة لحمايته من منظمات للمجتمع المدني أو أحزاب سياسية موالية أو معارضة أو تنظيمات نقابية حقيقية أو شكلية مما قد صعب المخاض التحرري في ليبيا الذي ما كان من المجاهدين البررة إلا معاوضة ذلك من خلال الاستناد إلى فطرتهم التي ورثوها في صبغياتهم النقية عن شيخ الشهداء العرب في العصر الحديث عمر المختار التي تجلت في شجاعة وإقدام منقطع النظير يظهر فيه المجاهد شبه الأعزل مقاوماً للآلة العسكرية المنظمة بلا خوفه وإيمانه المطلق بواجبه النضالي للتحرر من استبداد الطاغية المخبول به.
ولما كان هذا المخاض الناهض من الهشيم الاجتماعي عسيراً بطبيعته الاستثنائية التي فرضتها معطيات الواقع العياني المشخص في ليبيا ، فقد كان كذلك الحمل السياسي الموازي للجهد النضالي التحرري الذي يقوم به المجاهدون على الأرض كبيراً ومعقداً في متطلباته وتشكلاته وأحيازه المنهجية والتطبيقية ، وهو الذي بدا واضحاً في الجهد الضخم الذي بدى مطلوباً من المجلس الوطني الليبي المتشكل من رحم الثورة القيام به بشكل عاجل وفاعل معاً ، والذي لابد من تقدير جهوده التي بدى للبعض تحفظ على كفاءتها ، والتي نعتقد بأن التجربة الفعلية كفيلة بصقل تلك التجربة وإنضاجها بالشكل الذي تتطلبه حكومة مؤقتة مسؤولة عن نقل البلاد عقب مخاضها التحرري إلى مرحلة التأسيس الديمقراطي الفعلي المتمثل في دولة مدنية يتساوى فيها جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات.
ولأن تبادل وجهات النظر والاستفادة من خبرات الآخرين ضروري في رسم المنهجية العامة التي يستدعي توفرها لدى قيام المجلس الوطني الليبي بتمثيل المجاهدين والمناطق الليبية المحررة على المستوى الدولي عموماً و خصوصاً لدى تواصله مع الآلة السياسية الغربية المغرقة في ذرائعيتها المنهجية و التطبيقية كان لا بد من طرح بعض الملاحظات الخاصة بمنهجية التعامل مع تلك الآلة السياسية الغربية علها تقدم مساهمة متواضعة في التفكير المشترك الساعي لتطوير أدوات وطنية ليبية قادرة على التعامل والفعل السياسي بشكل أكثر فاعلية بما يخدم مصلحة الجهد النضالي التحرري في ليبيا أولاً و آخراً .

إن الآلة السياسية الغربية ذرائعية بالمطلق وهي لا تنظر إلى كل اليافطات الإعلانية التي تشرعها من قبيل حقوق الإنسان والمجتمع الدولي والسلام العالمي إلا كأدوات تبريرية منهجية لهدف أساسي و جوهري في كل الأهداف الثانوية الأخرى و المتمثلة في تحقيق المنفعة من الفعل السياسي الذي تستخدم كل تلك الأدوات لتبريره وبحيث تعود تلك المنفعة إلى الجهات المتحكمة فعلياً باقتصاديات المجتمعات الغربية وخاصة الشركات الرأسمالية الكبرى المتعددة الجنسيات والتي ترى في العالم سوقاً كونية لها وفي الآلية السياسية والعسكرية الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً أداتها الأساسية في تحقيق السيطرة الكاملة باختلاف الأشكال الإخراجية على تلك السوق الكونية والتي تشكل ليبيا الآن إحدى أهم الساحات البكر التي سوف لن تدخر تلك الآلة السياسية العسكرية الغربية جهداً لمحاولة السيطرة عليها بشكل مباشر أو غير مباشر وهو ما يستدعي التحذير من الانزلاق إلى دوامة النفس النضالي القصير والذي يقود البعض إلى الصراخ المتوجع من ضراوة صراع الإدارتين بين تلك المجاهدة المتحررة وبين تلك الهوسية الفصامية التي تتمثل في القذافي وأولاده ومرتزقتهم ، بمناشدة القوى الغربية للتدخل في حل الصراع بالسرعة القصوى دون وضع حدود منهجية واضحة لتلك المطالبة ، وأهم مثال ألحظه في ذلك هو عدم إشارة الأمين العام لحلف الأطلسي راسوموسين في بيانه يوم 11/مارس/2011 إلى وجود أي تمييز واضح بين موضوع الحظر الجوي في السماء الليبية والتدخل العسكري المباشر من خلال إشارة مبهمة على طريقة السياسيين الغربيين التي تترك الصراع مفتوحاً لاحقاً على تأويل ما قد قيل سابقاً بعد أن تكون الفأس قد وقعت في الرأس كما حدث في التجربة العربية البائسة في سقوط بغداد والوطن العراقي برمته بعد غزوها من تلك الآلة السياسية العسكرية الغربية نفسها.
و كذلك فإن الكتلة السياسية العسكرية الغربية بهجانتها ولا مبدأيتها تفهم لغة المصالح بالسرعة القصوى حينما تقدم لها سواء بشكل صريح ومباشر أو موارب على شكل التلميحات المظللة التي يقوم بها الناطقون باسم تلك التكتلات السياسية العسكرية الغربية سواء من موظفي الصف الأول من الرؤساء ورؤساء الوزراء والأمناء العامين أو من موظفي الصفوف الثانية وما يليها من قبيل الناطقين والمتحدثين الرسميين وهو الذي يستوجب بالشكل المثالي التوازي معه من خلال ناطقين رسميين يمثلون المجلس الوطني الليبي ويعملون على تغطية مجموعة من البنود و الأهداف الإستراتيجية و التكتيكية الواضحة في شكل رسائل وخطابات مكثفة وواضحة ومختصرة توضح الغايات والأهداف المرحلية للمجلس الوطني الليبي بشكل لا يقبل اللبس ، وتمرر رسالات واضحة و صريحة إلى العالم الغربي تتمثل في تقدير من يساهم في مساعدة المجلس الوطني الليبي في تحقيق تلك الأهداف الواضحة الغير قابلة للتعديل فيما يتعلق منها بالمصلحة الوطنية ، والتشديد على معاقبة كل من سوف يقصر في دعم المجلس الوطني الليبي لاحقاً من خلال حرمانه من أي عقود لإعمار ليبيا بعد نضوج تجربتها التحررية وخلاصها من الطاغية وهو خطاب ينسجم مع آلية العقل السياسي الغربي الذي يتقبل بسعادة الحديث في السياسة عن الربح الممكن Potential Gain وهو ما قد يجدي أيضاً لدى التلويح به في وجه الكتلة المافيوية الحاكمة في روسيا والكتلة الاستبدادية الذرائعية حتى نقي العظم في الصين كذلك لتعودها على هذا الخطاب الغربي خلال سنين طويلة من تكيفها معه في منظومة الاستيلاء الرأسمالي على السوق الكونية .
إن خطاب من يمثل أولئك الأبطال المجاهدين في ليبيا يحق له أن يكون قوياً وواثقاً وثاقباً لأنه جدير بذلك بما شحنته به دماء الشهداء الأبرار الذين ضحوا بشبابهم اليافع لأجل تحرير ليبيا من طاغيتها وثلته المشؤومة ويحق له أن يكون فخوراً بما حققته ثورة الشعب الليبي في أيام معدودة سوف تختزنها ذاكرة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج بأحرف من نور لتضيفها إلى السنوات العشرين من جهاد شيخ الشهداء عمر المختار في وجهه غراتسياني الفاشي الذي يبدو أن الطاغية القذافي يتقمص روحه الآثمة وقلبه المتعفن وهو يظن بأن التاريخ لا يمكن أن يكرر نفسه ولكنه بالفعل يكرر نفسه دائماً .
د. مصعب عزاوي​
طبيب و كاتب عربي مقيم في لندن​