تعريف الواقعية السحرية

Zohoor Alreef

عضو جديد
23 نوفمبر 2018
182
1
0
33
تعريف الواقعية السحرية


2631-cached.jpg



المذاهب الأدبية

يتميّزُ كلُّ قلم ينزلُ الميدان الأدبيّ بمرجعية فكريّة وأديولوجية معيّنة، وإطار معرفيّ مسبق، يعرف بالمذهب الأدبي، فالناقد للأدب ثمّ القارئ له يلتقيان بالمذهب الكلاسيكي، والمذهب الرومانسي، والمذهب الواقعي، والمذهب الوجودي، والمذهب السريالي، والمذهب العبثي، ومذهب الواقعية السحرية، وغيرها كثير من المذاهب الأدبية التي انبثقت عنها، أو زادت عليها، أو جاءت كرد فعل فكري أيديولوجي معرفي لمذهب سابق لها، والحديث عن مذهب أدبي محدد، يعني الحديث عن المرجعية الفكرية، والبنية المعرفية التي قام عليها هذا المذهب، ثمّ معرفة مراحل تطوّره، وأهمّ الكتاب الذين خطّوا قلمًا ضمن هذا المذهب، وهذا ما سيتناوله هذا المقال في حديثها عن مذهب الواقعية السحرية.
مذهب الواقعية السحرية

تعدُّ الواقعية السحرية مذهبًا أدبيًّا لا يُستهانُ به، نشأَ وازدهر خلال القرن العشرين، فبدأ تحديدًا عامَ 1935، وتَجلّى بين أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وتُعزى نشأتُها إلى التغيّرات الاجتماعية والسياسية في أوروبا، وما جاء به عصر النهضة من وقوف ضدّ كلّ ما هو سحريّ وعجائبيّ باعتباره من مخلفات عصور الظلام، فجاءت الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية -حيث نشأت وتطوّرت- كرد فعل لهذا الموقف، فقام كتاب أمريكا اللاتينية بملاحظة التطور الإبداعي وملاحقته، في أوروبا، ثمّ أمريكا الشمالية، مستفيدين من الإسهامات الفعّالة للسريالية في ذلك الوقت، ثمّ عودة الأساطير إلى الأدب، وما أحدثته العديد من الحركات الأدبية من تطور في الفن الحديث، وقد ازدهرت الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية؛ نظرًا لغني الثقافات الشعبية للمنطقة الجغرافية هناك، بكل ما هو سحري وأسطوري وعجائبي.

أما مصطلح الواقعية السحرية، فكان أول من جاء به هو الناقد الألماني فرانز روه عام 1929، لوصف أعمال الفنانين الألمانييين الذين صوّروا كل ما هو روتيني بصورة غريبة منفصلة عن الواقع، وعندما تشّكل بوصفه مذهبا أدبيا متكاملا ونوعا فنيّا، عرف بأنه نوع فني يتناول العناصر السحرية التي تظهر في بيئة واقعية 1)، أو الجمع بين الواقع والفانتازيا، أو بتعبير آخر المزج بين الواقع الحقيقي والخيال السحري، مزجا يجعل الخيال شيئًا اعتياديًّا، ونمطًا طبيعيًّا للحياة التي تعيشُها شخصيات القصة، دون حاجة إلى فعل أو أداة تُحوّل الخيالي والسحري إلى واقعي وحقيقي، وهذا ما جعل الواقعية السحرية أكثر تعبيرًا عن الواقع خصوصا أنها اعتمدت أشكالًا أدبية شعبية نابعة من البيئة التي نشأت فيها، ولا تحاول تبرير ما هو سحري في الوقائع الأحداث التي تمر بها، وقد انتشر هذا المذهب وراج، حتى اعتمده العديد من الكتاب والفنانين في مختلف أنحاء العالم، وتاليًا ذِكر أهمّ كتاب الواقعية السحرية ومؤلفاتهم.
كتاب الواقعية السحرية

أسهم الكثير من الكتاب في بلورة هذا المذهب الأدبي وإثرائه، بَدءًا من الكاتب خورخي لويس بورخيس، الذي نشرَ أوّل قصة تحت هذا المذهب، مرورا بكافكا، وميغل أنجيل أستورياس، ولورا اسكيفيل، وغابريل غارسيا ماركيز، وإيزابيل الليندي، وأليس هوفمن، وسلمان رشدي، وغيرهم كثير. وفيما يأتي، عرض لأبرز كتابها:

  • خورخي لويس بورخيس: وهو كاتب أرجنتيني، ويعدُّ الكاتبَ الأوّل من كتّاب الواقعية السحرية، وقد تنوعت أعماله بين كتابة المقالات والدراسات والقصص القصيرة والشعر، إلا أنه ركّز تركيزًا كاملاً على الواقعية السحرية، في قصصه القصيرة، وتعتبر مجموعته القصصية “الألف” أفضل نموذج لهذا الأدب، ففيها يدخل القارئ عوالم ساحرة، ورموز وصور دالة على الكثير من المعاني، فكلمة الألف هي من معاني علم “الكابالا“، أي علم تفسير الكتاب المقدس على نحو فلسفي بالاعتماد على أعداد الحروف، فالكلمة تقابل كلمة اللوجوس الموجودة في اللاهوت المسيحي، التي تدل على نقطة ابتداء العالم.
  • غابرييل غارسيا ماركيز: وهو كاتب كولومبي، كان له أكبر الفضل في إيصال أدب الواقعية السحريّة إلى العالمية. وبالإضافة إلى إسهامات ماركيز في الأدب، فقد كان ناشطًا سياسيًّا ومدافعًا عن حقوق الإنسان، وقد شارك في تحرير العديد من الصحف، ويتميز أسلوب ماركيز بكثرة التفاصيل التي تأخذ القارئ إلى عوالم خيالية في الوقت نفسه الذي يحاول إيهام القارئ فيه بأنه يتحدث عن الواقع، خاصّة في رواية “مئة عام من العزلة“. وقد حصل ماركيز على جائزة نوبل للآداب في عام 1982. وقد توفّي في السابع عشر من شهر إبريل 2014. 2)
  • ميغل أنغيل أستورياس: وهو شاعرٌ وكاتب جواتيمالي، حازَ على جائزة نوبل للآداب في عام 1967، كانت موضوعاته العامّة تدور حولَ الفساد السياسيّ، ودكتاتورية حكام دول أمريكا اللاتينية، إلا أنه تعرّض في الكثير من أعماله الأدبية إلى عوالم الواقعية السحرية، ومنها رواية “السيد الرئيس” التي تدور حول الاستبداد السياسي الذي يمارسه الحكم الدكتاتوري. 3)
  • إيزابيل الليندي: وهي كاتبة تشيلية، ناجية من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس “سلفادور الليندي” في تشيلي عام 1973، تدور كتاباتها بشكل أساسي حول اكتشاف الأحاسيس والمشاعر الداخلية للأنثى وعلاقة المرأة بالمجتمع من حولها، وقد تداخلت هذه الموضوعات في قصصها وبأسلوب مميز مع العوالم السحرية والعجائبية، التي جعلت من الكاتبة تصنف من أعظم الكتاب في القرن العشرين.
  • ماشادو ده أسيس: وهو كاتب برازيلي، ولد في منتصف القرن التاسع عشر، وتوفى قبل ظهور الواقعية السحرية وتشكله بالمعنى المتعارف عليه، إلا أنه أسهم إسهامًا كبيرًا في الأدب اللاتيني بشكلٍ عامّ وكتاب الواقعية السحرية بشكل خاصّ، فقد كانت كتاباته تحتوي على أساسيّات هذا النوع الأدبي بدرجةٍ ملحوظة، وأنّه لولا كتاباته لما ظهرت الواقعية السحرية بالشكل الذي نعرفه، من أهم أعماله رواية دون كازمورو.
  • سلمان رشدي: وهو كاتب بريطاني من أصل هندي، حاز العديد من الجوائز الأدبية، وصنف عام 2018 بالمرتبة الثالثة على أكبر 50 كاتبا في بريطاني. كتب العديد من الروايات ضمن أدب الواقعية السحرية، ومنها روايتي “آيات شيطانية”، و “البيت الذهبي”. 4)
  • أمير تاج السر: وهو روائي سوداني، حاصل على العديد من من الجوائز، ومنها جائز البوكر للقصة القصيرة عام 2011 عن رواية “صائد اليرقات، وعام 2018 عن رواية “زهور تأكلها النار”. كما وحصل على جائزة كتارا في الرواية عام 2015، وهو مهتم بتقديم واقعية سحرية تنطلق من بيئة عربية خالصة، خاصة في روايته “جزء مؤلم من حكاية”، التي تأتي بأحداث غامضة غير مفهومة في مكان يسمى “مملكة طير”، مصحوبة بـ “تيار وعي” يجمع بين تداعي أفكار بطل الرواية، وتداعي الحكايات التي ذكرها في الوقت نفسه.